سلسلة قصص:
تأليف السيد هاشم بن علي الكاف
إن الجزيرة التي قُذِفت إليها علياء وأمها جزيرة يزورها الصيادون (صائدي الأسماك والطيور) شتاء لوجود أفضل الأسماك في مياه شواطئها ، وأفضل الطيور التي تعشش في أشجارها ، والتي تنعم بالحياة شتاء وذلك لطقسها المعتدل.
ثلاثة أشهر وسيحل فصل الشتاء وموسم الصيد ،وستمتلئ شواطئ هذه الجزيرة بمراكب الصيادين وستعلوا فيها أصواتهم وستعج هذه الجزيرة بالحياة والحركة.
لقد تحرك مركب البحث من الهند إلى البحر باتجاه الغرب بحثا عن أي اثر أو اي خبر عن علياء وأمها أو عن أي ناجين من تلك العاصفة التي ضربت السفينة قبل فترة. رحلة تبحث عن إبرة في كوم قشّة ، فهل يحالفهم الحظ وتتحقق آمال أبو أحمد.
قد تستغرق هذه الرحلة قرابة عام لكثرة توقفها على كل شاطئ في طريق البحث وكل ميناء للتحري.
و تستمر الرحلة و يستمر البحث ولا زال البحث عن علياء جاري على قدم وساق.
أبو علياء انتظر عودة أبو أحمد من الهند فلقد طال انتظاره وزاد قلقه فقرر ان لا ينتظر مكتوف اليدين بل السفر للهند والبحث عن أبو أحمد ليس بالصعب العثور عليه كونه تاجرا معروفا هناك.
بدأ أبو علياء الرحلة متجها للهند يرجو أن يجد ابنته في صحة جيدة وأن تقر عينه برؤيتها مجددا.
توقف مركب البحث بعدة شواطئ فلم يعثر على أي شئ وأثر لهما ، وهكذا استمروا في البحث في أمكنة أخرى ويستمر البحث.
أبو أحمد ينتابه خيبة أمل لعدم سماع أي أخبار جيدة ومفرحة. فأصبح يسأل كل سفينة تنزل في الهند عن علياء وأمها علهم يخبرونه بأخبار تسر، ولكن لم يَرِد لمسمعه أخبار سارة.
علياء وأمها قررا البحث عن مكان آمن غير هذا الغار الممل والضيق علهم يجدون مكاناً أرحب وأوسع وآمن فأخذوا يبحثون في جميع أرجاء الجزيرة حتى وجدوا في مكان ما على هذه الجزيرة كوخا مهجورا لا يسكنه أحد ، وعندما دفعت الأم باب الكوخ فتح بعد عدة محاولات ووجدت داخله بعض الأواني والأدوات وبعض من الطعام المعلب ونصف معبئة ، وقربة ماء، عرفت الأم أن هذه بشرى خير فهذا على مايبدو بيت شخص ما يتردد على هذه الجزيرة من الحين للآخر وعلى ما يبدو من كمية الماء في القربة نستنتج أن شخصا ما كان هنا قريبا وقد يعود قريبا أيضا.
بدأت بتنظيف الكوخ وأعدت بعض الطعام وارتاحت على ذاك السرير الخشبي وأشعلت ذلك المصباح المتدلي من سقف الكوخ وراحت تداعب علياء وتروّح عن نفسها، فأصبحت بين أمل عودة صاحب الكوخ لإنقاذهم وبين متابعة المسير على هذه الجزيرة علها تجد مكانا أفضل من هذا الكوخ أو تجد ساكنين في هذه الجزيرة.
وصل مركب الصيد للجزيرة ولكنهم لم يصلوا حتى إلى مقربة من الغار الذي تعيش فيه علياء وأمها إنهم على الجهة الأخرى وسط الجزيرة في ذلك الكوخ، انتظر المركب ساعتين وبعد البحث لم يجدوا شيئاً قرروا استكمال البحث في مكان آخر، وبالفعل أبحروا بعيداً.
مضى شهرين حتى الآن والحال كما هو الحال أبو أحمد في تجارته وفي انتظاره، وأبو علياء في نهاية رحلة سفره للهند وعلياء وأمها في ذلك الكوخ ، حيث نفذت بعض المؤن ونفذ الماء، أم علياء قد أصابتها الحمى وأصبحت مريضة معتله لا تقوى على الحراك وعلياء حولها طفلة تبكي وتصرخ دون مجيب، من شدة المرض لم تستطع حتى رعاية نفسها وأصبحت حالتها تسوء من يوم ليوم.
اليوم عاد صاحب الكهف إلى الجزيرة متجها إلى كوخه كعادته، يعود بعد كل رحلة صيد ، وبعد جني مكاسب صيده يعود لهذا الكوخ ليرتاح عدة أيام من تعب السفر والعمل.
وصل الى الكوخ فإذا به يلاحظ آثار اقدام حول الكوخ ، فعرف أن أحدهم اقتحم الكوخ ربما سارق أو مجرم، فإذا به يسمع صوت بكاء وصراخ طفل يزعج هدوء المكان ، ففتح الباب فوجد امرأة ملقاه على السرير تلفظ أنفاسها الأخيرة ، قد سلب المرض منها مقومات الحياة ، حاول تهدأت الطفلة “علياء” وإطعامها حتى نامت ، ثم حاول إنقاذ الأم وتمريضها عله يستطيع فعل شئ ولكن إمكاناته المتوفرة معه لا تفي بالغرض فقرر نقلها بزورقه إلى أقرب جزيرة مأهولة لعلاجها وإنقاذها.
حملها إلى زورقه مع علياء ولكنها بدأت تمتم وتقول علياء، أحمد، أبو أحمد ولفظت النفس الأخير وماتت.
فقرر أن يأخذها لأقرب جزيرة مأهولة لدفنها هناك، وكذلك فعل.
عادت علياء بلا مأوى وبلا عائلة.
هكذا تتوالى الأحداث تباعاً، وتستمر معاناة علياء ولا زال البحث مستمراً، فهل تعود علياء لأحضان أبوها أم تبقى من الذكريات المؤلمة.
نلتقي في الحلقة الرابعة