بحث المادة وتحريرها/ هيا الدوسري
وتترامى صحاريها الثلاث : الدهناء والنفود والربع الخالي ، حداً فاصلاً بين عالم اليوم ، وتلك الصورة الباقية من أقدم عصور التاريخ .
حياة فطرية ومشاهد لا تختلف في شيء عن تلك التي عرفتها العرب البائدة منذ عهد موغل في القدم، إلى ما قبل التاريخ ، بحار من الرمال الناعمة ، تكاد تبتلع المارة لنعومتها وتخلخلها ، وقبائل من البدو الرحل رعاة الإبل والماشية.
وللمطر الشأن الأول في حياتهم فهو حديث كل الناس ، وسؤال القادم يبدأ بالمطر والمرعى ، وكل من يعيش فى بلاد العرب يعرف الأثر العظيم الذى يحدثه المطر ، والتعاسة التي يسببها تأخره ، فأهل نجد لا يأبهون لشيء إذا رزقهم الله المطر فتحيا به زروعهم وحيواناتهم، وتشملهم السعادة بكـل معانيها.
و أما الصحراء الجنوبية ( الربع الخالي ) فلا يصيبها المطر إلا بعد بضع سنوات مرة واحدة ولا ينبت فيها زرع ولا يعيش فيها ضرع . ومع ذلك راضون متشبثون بهذه الحياة الخشنة المضنية ويأبون التغيير إلى حياة أكثر راحة أو حتى الرحيل إلى غيرها متشبثين بخيامهم ، وكانوا يرون أن ( التلغراف والسيارة )من صنع الجان و أنهم يتقربون بها إلى الشيطان ويحرم مشايخهم استخدامها ولم يكن هناك سبيل لإقناعهم .
يقول أحد العرب : في يوم من الأيام دعاني أحد المشايخ لمرافقته لزيارة قبر “حمزة عم الرسول “. وفى أثناء الطريق أوقفت السيارة عند محطة التلغراف اللاسلكي ، وهنا سأل الشيخ لماذا أوقفت السيارة ؟ فأجبته : لنرى التلغراف اللاسلكي فإن كان هنالك ذبائح ودعوة لغير الله ، فإنى سأحرقه مهما تكن النتيجة .
فالدين لله ، لا ( لابن سعود) ، وقد يكون “الملك” مخدوعاً في أمر هذه التلغرافات ، وتُذكر له الأشياء على غير حقيقتها . فقال الشيخ : بارك الله فيك .
فدخلت المحطة ، وبعد البحث لم يجد الشيخ أى أثر لعظام الذبائح وقرونها أو صوفها ، ثم أراه العامل طريقة المخابرة ، وفى دقائق تبودلت المخابرات والتحيات بينه وبين “جلالة الملك عبد العزيز” في جدة ..
كانت هذه الزيارة البسيطة مدعاة للشك فيما كان يعتقده من عمل الشيطان فى المخابرات ، ولكنه ظن أني ربما دبرت هذه المكيدة بإيعاز من “الملك “، فزار الشيخ محطة التلغراف بضع مرات متفرداً في أوقات مختلفة بدون أن يخبر أحداً بعزمه فكان يفاجئ العامل بالزيارة ويسأله عن كل ما يغمض عليه ..
وعندما وضعت الآلة اللاسلكية في الرياض واستعملت كان الناس يغري بعضهم بعضاً بأن إنشاء هذه المحطة هو الحد بين “الخير والشر” وكان العلماء يرسلون من يأتمنونهم لزيارة المحطة لرؤية الشياطين والذبائح تقدم لهم ، فلم يجدوا شيئاً .
ويقول ؛ لقد أخبرني عامل المحطة بأن بعض المشايخ كانوا يترددون عليه من وقت لآخر ، للسؤال عن موعد زيارة الشياطين ، وهل الشيطان الكبير فى مكة أو في الرياض ؟ وكم عدد أولاده الذين يساعدونه فى مهمة نقل الأخبار ؟ فكان يجيبهم بأن ليس للشياطين دخل في عمله وكان بعضهم يغريه بالنقود ، وأنهم سيكتمون هذا السر ..) ، ولم تكن السيارات ولا الدراجات ، أسعد حظاً من اللاسلكي، فركوب الدراجة وتسمى بلغة نجد (عربة الشيطان أو حصان إبليس ) كان حتى عهد قريب ، إنما هي إثم ومعصية ، فهي بدعة ، تسير بقوة السحر و عمل الشيطان ، بدليل أن الراكب إذا نزل لم تقف ! وكان (جماعة الإخوان) يرون أن من حقهم. منع هذا الإئم ، وضرب راكب الدراجة ولو كان من خدم الملك . وحدث في نجد ، منذ أقل من قرن ، أن أول “ساعة دقاقة” كسرت ، وعدت من عمل الشيطان ولما شاع ظهورها قامت قيامة ( الإخوان ) من مشايخ نجد ، منكرين استعمالها ، معلنين أن أقل الأحوال فيها أنها بدعة .
يتبع > >>