بقلم: سعد نمنكاني
عندما نكتب فإننا نحيي ذلك الصوت الخافت الذي بداخلنا، وكأن الكتابة مجهر عالي الدقة يظهر ما دق في أعماقنا من المشاعر والعواطف الدفينة التي تحتاج إلى من يوقظها من سباتها العميق!.
الكتابة إبحار في مكامن النفس البشرية التي لا يعلم سرها إلا خالقها!، والمبحرون فيها على أشكال وأنواع، منهم من يحب أن يكون قرب الشاطئ ويضع نفسه في بر الأمان، فهو يخشى ما في الأعماق من العواصف الشديدة، والتيارات المهلكة،
فهذا مع فيه من قليل من الجبن إلا أنه عرف قدره، ولم يعرض روحه للمتاعب والمهالك.
ومنهم من يهوى الإبحار في الأعماق؛ ولكن بمجرد دخوله فيها، تأخذه العواصف يمنة ويسرة، وتتلقفه التيارات فيضطرب اضطرابا كبيرا، فلا يبصر هدفه الذي يقصد، فيرجع وهو خالي الوفاض وقد باء بفشل عظيم!، ويتمنى أنه لم يجازف بالولوج إلى الأعماق!.
أما النوع الأخير فهو كسابقه هذا؛ إلا أنه يحترف التعامل مع الأعماق!، فلا تزيده العواصف الشديدة إلا ثباتا وإصرارا.
فهي لا تصرفه عن وجهته التي يريد، فيقتطف الثمر الذي يبغي ويرجع وقد حصل على المقصود.
ولا أخال أن هؤلاء كثيرون ؛ بل هم قلة من قلة!.
ويمثل هذه الفئة أدق تمثيل قول الشاعر جاسم الصحيح:
وعلّمني السقوطُ ببئرِ نفسي
بأنّ الماءَ في الأعماقِ أحلى.
وما كان ليحصل لهم ذلك؛
إلا لأنهم قد احترفوا الإبحار في الأعماق!