مبارك بن عوض الدوسري
﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ ٱللَّهِ كِتَٰبًا مُّؤَجَّلًا ۗ ﴾ صدق الله العظيم
فجع الميدان التربوي والتعليمي في محافظة وادي الدواسر؛ والميدان الكشفي في الوطن العربي عامة وفي المملكة العربية السعودية خاصة بوفاة المعلم والقائد الكشفي خالد بن مبارك بن دحيم الدوسري؛ الذي كان رحمه الله، مثالاً للمعلم والقائد الكشفي القدوة والمسؤول؛ المخلص لمهنته وهوايته؛ المؤدي لرسالته في الحياة على خير وجه؛ رمزاً للعطاء والعمل والإخلاص؛ مُحباً للآخرين؛ أختصه المولى عز وجل بقبول واحترام وتقدير كل من عرفه؛ كان نبأ وفاته فاجعة عظمى ومصيبة كبرى لكل من عرفه؛ إلا أن ما سلانا في مصابنا هو إيماننا وعقيدتنا التي أمامها لا يملك الإنسان إلا الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره.
أنني مُتأكد من نفسي وأنا أكتب تلك الأسطر أن قلمي لن يستطيع أن يُعبر عما في صدري من أسى وألم على فقيدنا الغالي؛ ولن تسعفني الكلمات لسرد محاسنه وأخلاقه؛ فلقد كان رحمه الله رحمة واسعة صاحب فكر نير وحضور متميز؛ يُثري كل أمر يُشارك فيه بصمت ودون ضجيج وحب ظهور بما يمتلكه من ثقة بالنفس؛ ورؤية ثاقبة وإمكانيات عالية؛ واستشراف للكثير من الأمور المتعلقة بالعمل خاصة التربوية والتعليمية والكشفية والتطوعية والحاسوبية.
حقيقة أنني أخرت تلك الكتابة لأكثر من أسبوع لعلي أجمع قواي لأرثي أخي خالد – رحمه الله – فوجدت نفسي وقلمي لا زالتا عاجزة فبأي الكلمات يمكن أن أرثي خالد؟ ؛ وبأية لغة يمكن أن أنصف أبا راما ؛ فكل الكلمات أمام خبر وفاته تتلعثم وتتيبس، وتصيبها الرعشة والرعدة والوجل؛ والحزنُ يعقدُ اللسان ؛ ويعجم البيان؛ فالفاجعة أكبر من اللغة ؛ وأكبر من الدمع الذي يبخره الأسى خاصة وأنني لست من يجيد الشعر فيملك أدوات الرثاء؛ ولست نواحاً حتى أجيد البكاء المصطنع؛ حتى وأن كان الدمع يسيل ناراً في محاجري ؛ والنار تشبُ في جوانحي؛ والعبرات تختلج في صدري؛ والقلب يتوثب كطائر متوجس مذعور؛ حتى وإن أوتيت ما أوتيت من قدرة على الكتابة وانتقاء الكلمات والعبارات فلن أوفي أخي خالد حقه؛ وما كتبته بعالية لا يمكن أن توصف بأنها تعداداً لمآثره؛ فمآثره رحمه الله أكثر وأكبر من أن يخطها قلمي المتواضع؛ وأشهر من أن تحصرها بضع كلمات مني؛ ولكنها جزء من مشاعر فاضت عليّ ألماً على فراق أخ لي جمع من الخصال أجملها، ومن الفضائل أروعها، ومن المكارم أرقاها؛ جزاه الله كل خيراً فقد قدم الكثير واعطى الوفير.
لقد كان الحديث بعد وفاته من كل من عرفه عن كثير من صفاته الجميلة التي أتصف بها يرحمه الله ولكن كان الجميع يؤكد على سلامة قلبه وطهارة نفسه وعفة لسانه؛ فلا يمكن أن يتحدث عن أحد إلا بخير ولم يعرف عنه غيبة أو نميمة أو لغو أو إساءة لأحد؛ حريص على نفع الناس ومساعدتهم، والسعي في تسهيل أمورهم وخدمتهم، فهو لا يتردد في تقديم العون والمساعدة لكل من يقصده، كما كان يتحلى بخلق الإيثار الذي هو صفة نادرة بكل أسف في حياتنا اليوم.
عندما تقاعدت عن العمل الوظيفي كتب عني على أحد حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي أحرفاً هي بمثابة واحدة من
أجمل الأحرف التي وصلتني تلك الفترة لأني أعرف انها أتت من قلب شخصية طيبة صادقة لا ترجو من شخصي الضعيف شيء وكان مما قاله:” تتلعثم الألسن وتتبعثر الحروف.. فماذا عسانا أن نقول.. السيل يغدو ضاحكاً مستبشراً.. ودموع العين تستحي أن تنطق، لو كان بالقلب ألم متلجلجا.. فسلوتي عندما أراك تشرق (أبا عوض).. كم من صفات رسمت معالمها وشيدت صرحها من عطائك المتميز، وإبداعك المبهر، وشخصيتك الحكيمة المتزنة وسواعدك البناءة وتشجيعك الذي كان دافعاً للسعي والكد لتحقيق الأفضل وكيف لا وأنت قد كنت مصنع الأبطال، فنعم الرجل أنت.. لا نقول وداعاً فأنت ستبقى بالقلب.. ستبقى بصماتك لؤلؤة تسكن في محارة.
اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلفنا خيرا منها.. اللهم تغمد أخي خالد بواسع رحمتك وأسكنه فسيح جناتك، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، اللهم احشره مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، اللهم ألهم أهله وذويه الصبر والسلوان، وأجرهم في مصيبتهم واخلفهم خيرا منها؛ واطرح في ذريته البركة والصلاح وحسن البر به بعد موته.. آمين.