بقلم الكاتبة :فنون صالح المبارك
لا يدهشني عدد الأشياء التي يمكنني تذكرها بقدر ما يدهشني عدد الأشياء التي يُخيّل لي أنها حدثت (الامريكي الساخر مارك توين )
من الممكن أن ليس جميع ذكرياتك حدثَت بالفعل !
و لعلّ ليس جميع ما تذكره أنت تتذّكره بالطريقة الصحيحة !
فمن المُحتمل أن تجتمع مع إحدى زملاءك القُدامى وتصفوا موقفا قديما حدث لكُم جميعاً فتنصدَم من اختلاف الأحداث التي كُل منكم يرويها على الرغم إنه نفس المشهد ونفس الحدث !!
وقيل إنه في معظم الحالات تكون الاختلافات في وصف الموقف اختلافات كبيرة أيضا !!
يحدث أن تذكُر موقفًا حدث لك في الصِغر فيُبالغ عقلك في وصف المشهد فيُضيف من عندِه بعض البهارات !!
حقيقة ..
أيضاً ورُبما اعتقادك بأن الذي حدث معك في الماضي أيّاً كانَ من تنمُر ،أو تحرّش ،أو أو او، م هو إلّا موقف مُزيّف دماغياً ،لعلّ دماغك بدأ باختلاق أحداث إضافية لَه لم تكُن موجودة أساسًا..!
والبعض أحياناً لا يستطيع التفرِقة بين أحداث ماضية له إن كانت حقاً حصلت له بالفعل أم كانت أحلام أو مجرد خيالات هو اصطنعها .!
(False memory)
(الذاكرة الزائفة)هي حالة نفسية يتذكر فيها الأشخاص المواقف أو الأحداث بطريقة مختلفة عن الطريقة التي حدثت بها من الأساس، وقد ينجم عنها استحضار مواقف لم تحدث على الإطلاق في بعض الحالات الأخرى..
وفي فترة التسعينات آمن بعض المعالجين بفكرة أن التجارب الصادمة تستطيع أن تنتج ذكريات مكبوتة التي تبرز من خلال العلاج لكن حينما بدأ المرضى بالتعامل مع تلك الذكريات؛ أصبحوا يتهموا الكثير من الأشخاص مثل آبائهم وأمهاتهم وأصحابهم على ذكراهُم السيئة معهم
حينها أدرك بعض منهم أن تجارب الذكريات تلك تعتبر وهمية، ورُفعت دعوى ضد هؤلاء المعالجين لسوء ممارستهم هذه المهنة ، والمُحزن في هذا الموضوع أن في إحدى الدول الغربية يُخطئ شهود العيان أحياناً في التعرّف على المجرمين وينسبون التهُم لأشخاص أبرياء! ، علاوة على ذلك يعبّرون هؤلاء الشهود عن اراءهم المفتقرة للدقة بكل ثقة!
وبغض النظر عن المعتقدات المنتشرة يختار شهود العيّان الذين شاهدوا الجاني من قرب اثناء ارتكاب الجريمة غالباً الشخص الخطأ حينما يعرض عليهم المشتبه فيهم او اثناء تواجدهم بقاعة المحكمة ! إذاً العلاقة بين الثقة الي يدليها شهود العيّان في شهاداتهم و حقيقة ما يتذكرونه علاقة ضعيفة !
نتيجة هذا الامر تشير الى القلق والتوّتر لأن أعضاء هيئة المحلّفين يميلون الى وضع ثقل كبير على ثقة شهود العيان عند تقدير مصداقية ما يتذكرونه في استطلاع حديث للرأي شمل ١٦٠ قاضي أمريكي ثبت أن ٣٤٪منهم يعتقدون بوجود ارتباط قوي بين ثقة شهود العيان ودقة ما يدلون به !!
ومن المثير للانزعاج أن ٧٥٪من ال٢٣٩ متهًما جنائيٍّا الذين أطلق سراحهم في يونيو (حزيران)٢٠٠٩ بناءً على نتائج اختبارات الحمض النووي كان السبب الأهم في إدانتهم هي الشهادة غير الدقيقة التي أدلى بها شهود العيان!
وذكرَ كُل من المؤلفين سكوت أو ليلينفيلد وستيفن جاي لين وجون روشيو وباري إل بايرستاين في إحدى الكتُب أنه خطط الباحثون خطوة أخرى لخلق ذكريات لأحداث واقعية لم تقع أبًدا في دراسة عرفت بـ [دراسة مركز التسوق]ساهمت إليزابيث لوفتس إلى تكوين ذكرى زائفة داخل ذهن كريس، وهو فتى ال١٤ عاماً ، طلبت لوفتس من جيم، شقيق كريس الأكبر، أن يخبر كريس كذبًا بأنه قد ضل طريقه في إحدى مراكز التسوّق حينما كان في الخامسة من عمره ، عندما كان يختبئ وهو يلعب إحدى الألعاب. ومن أجل تعزيز مصداقية هذا الحدث الزائف عرضته لوفتس في شكل حكاية، مع إضافة ثلاثة أحداث أخرى وقعت بالفعل، بعد ذلك طلبت من كريس أن يكتب كل شيء يتذكره. في البداية ، لم يذكر كريس الكثير عن الموقف المفبرك، ولكن خلال أسبوعين خلَق كريس تِلك الذكرى المُفصلّة : »وقفت مع الأولاد لثانية، وأظن أنني ذهبت لألقي نظرة على متجر اللعب، أظنه متجر كاي-بي … ضللنا الطريق، وكنت أنظر حولي، وظننت أنني أواجه مشكلة حقيقية. خطر لي أنني لن أرى عائلتي مرة أخرى، وشعرت بالرعب، ثم أتى رجل كبير … وتقدم نحوي … كان رأسه من الأعلى خاليًا من الشعر … وتغطيه حلقة من الشعر الرمادي … وكان يرتدي نظارة …ثم بدأت بالبكاء، وجاءت امي تسألني :اين كنت؟ لا تفعل ذلك مرة أخرى ! ولكن عندما سألت لوفتس والدة كريس عن هذا الحدث أكدت لها أن ذلك لم يحدث أبًدا ،
بعد هذِه الدراسة تتابعت الدراسات المُماثلة التي أظهرت أنه ١٨-٣٧٪ من الحالات بإمكان الباحثين يرسخوا في الأذهان ذكريات زائفة تماًما عن أحداث معقدة تتراوح من :- (التعرض لهجوم شرس من أحد الحيوانات)أو (حادث منزلي) (أو حادث وقع خارج المنزل)أ(و الخضوع لإجراء طبي )أو( إسقاط وعاء الشراب في حفل زواج ) أو (التعرض للتنمر من أطفال آخرين أثناء الطفولة ).
وعند الرجوع لما ذكرته وبيّنته المنشورات الأكاديمية لهذه الحالة ترى أنك بمجرد أن تستقر الذكرى الكاذبة في دماغك تنال وتكتسب نفس خصائص الذكريات الأخرى، وعلى ذلك أنت لا يمكنك التفريق بين الذكريات الكاذبة عن الذكريات الحقيقية التي بالفعل حدثت ،لكن هنالك طريقة للتحقق والتبيّن منها، وهي أن تبحث عن أدلة موافقه لأي ذكرى تريد التأكّد منها..
وفي خُتام هذا المقال وددت أوّجه نفسي وكل من يقرأ بالتأكُد والتبيّن في صِدق ما نتذكره وعدم الخلط بين ما تصطنعه عقولنا او مُخيّلاتنا فلا نظلم ولا نبهت ونحتفظ بذاكرة غير مشوّشة وسليمة وصلى الله وسلّم على نبينا محمد .