سلمى حسن ـ القاهرة
قال فضيلة الإمام الأكبر إن الدين يُتهم بين الحين والآخر بأنه سبب الحروب والصراعات وانتشار فوضى القتل، وفي الحين ذاته يطالبه -من يتهمونه بذلك- بالتدخل وتقديم رؤية لإنهاء هذه الحروب والصراعات، وهو أمر متناقض تماما كالعالم المجنون الذي نعيش فيه والذي تسير فيه الأمور بشكل اللامعقول إلى مناطق غير آمنة، ورغم هذا التناقض إلا أنه يكشف تغييرا ملحوظا في العقلية الغربية التي اعتادت توجيه اللوم للدين وإقصائه وتجنيبه عن حياة الناس، وتنبههم إلى قدرته على انتشال الإنسانية من صراعاتها وأزماتها الخانقة، وما يمكن أن يحدثه من أدوار إيجابية في مختلف المجالات.
وأكد شيخ الأزهر خلال لقائه اللورد طارق أحمد، وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا، بأنه لا حل إلا بالعودة إلى صوت الدين وأخلاقه لإنقاذ البشرية وانتشالها من مستنقع المشكلات المعاصرة، وما انغمست فيه من أزمات وكوارث، مشددا على أن إقصاء الدين هو إقصاء لكل الأخلاق المرتبطة بالتراحم والتقارب الإنساني، وتجفيف لكل منابع الرحمة في النفس الإنسانية، وتمكين لشهوات الإنسان من جشع وأنانية وصراع من أجل إشباع رغباته.
وأضاف شيخ الأزهر أنه تم تصوير الدين في صورة غير صحيحة، بأنه السبب الرئيس في تعثر الإنسانية وتقهقرها، وتم تقديم التقدم العلمي والتكنولوجي بديلا للدين لإنقاذ الإنسان، وحاول البعض تجنيب الدين عن حياة الناس، ولكن حدث العكس تماما، فكلما أقدم الإنسان على خطوة عاد بعدها مئات الخطوات بسبب افتقاده لمنظومة القيم والأخلاق، مؤكدا أن ما يقصده هنا هو الدين الحقيقي المأخوذ من منابعه الحقيقية والأصيلة.
وأكد الإمام الأكبر أن القيم والأخلاق الدينية هي التي تؤمِّن الإنسان وتحميه، وأن إطلاق العنان لشهوات الإنسان تحت شعار حقوقه وحرياته؛ وصلت بالعالم إلى وضع مخجل، وحطت من قدر الإنسان، وظهرت معها أمراض الشذوذ والانحراف الأخلاقي، ولا زلنا نلقي باللوم على الدين الذي نجح البعض في تغييب شمسه عن الساحة الغربية، كما يحاولون تغييبها وإقصاءها عن الشرق.
وأشار فضيلته إلى أن الأزهر تنبه مبكرا إلى هذه الأزمات، فبادر بالانفتاح على المؤسسات الدينية والثقافية حول العالم، وحرص على توعية الشباب فعقد منتدى صناع السلام بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين وكنيسة كانتربري بلندن، كما وقعنا وثيقة الأخوة الإنسانية التاريخية مع الفاتيكان، وهدفت كل هذه الجهود النبيلة إلى تجنب ما وصل إليه العالم اليوم من انتشار لأمراض التعصب والكراهية والصراعات، وسوف نستمر في تقديم المبادرات ودعم كل الجهود التي تبذل شرقا وغربا لإقرار احترام الإنسان وإحياء القيم الدينية والأخلاقية.
وأضاف شيخ الأزهر “أنا مملوء بحب الإنسانية، وقد تعلمت من القرآن الكريم واطلاعي على الكتب المقدسة؛ الدفاع عن الفقير ومساندة الضعيف، واتطلع إلى إقرار سلام عالمي، ولكن للأسف لا تزال الرؤية ضبابية والنفق مظلم، ويحتاج إلى تضافر جهود كل الحكماء وأصحاب النوايا الحسنة للوصول بعالمنا إلى بر الأمان”.
من جانبه، أعرب اللورد طارق أحمد، عن تقدير بريطانيا لدور الأزهر الشريف وإمامه الأكبر في تعزيز قيم الأخوة والسلام العالمي، ونشر الصورة الصحيحة عن الإسلام، وسعي بلاده لتعزيز علاقتها وتكثيف التعاون مع الأزهر، مؤكدا أن رؤية فضيلة الإمام الأكبر هي رؤية حكيمة وموضوعية، وأن العالم في أمسِّ الحاجة للتوقف والاستماع بعناية لمثل هذه الرؤى لتجاوز التحديات العالمية المعاصرة.