نامت عيوني وليتها لم تنم

بقلم / د. نورة المالكي

في ليلة شتوية كنت بجوار جدتي المريضة جدا … وكنت أنظر لها طوال الليل حبا وخوفا عليها من المرض … كانت تعاني من حمى شديدة وألم بالعظام وتنادي بأسماء أولادها وبناتها وباسم جدي المتوفي …
وكنت كلما دخلت في نوبة الحمى أجلس تحت قدميها أدعو لها وأمسح على قدميها لعلها تتحسن … وكانت أطول ليلة عشتها في حياتي … لم تكن ليلة عادية .. كل الظروف كانت مختلفة .. الجو شديد البرودة … الليل شديد الظلام … والوقت كان طويلا جدا حتى إني ظننت أنها لن تمر تلك الليلة … وبينما أنا كذلك نامت عيني من شدة الإعياء وجدتي في حضني وحرارتها ترتفع بلا توقف … رأيت نفسي أمشي في حديقة كبيرة كلها ورود جميلة والعصافير تلعب في كل الأرجاء .. والهواء عليل والشمس مشرقة والأطفال يضحكون ونسائم الهواء تلاعب شعري وفستاني وأنا امشي بين المروج الخضراء و أسمع صوت الماء في كل الأرجاء … وبينما أنا كذلك كنت أسمع شخص يئن من الألم وأنا أبحث بين الأشجار لعلي أجده …ويزداد صوت غريب كالإنذار المستعجل … وأنا أركض بلا جدوى فلا أعلم أين ذلك الصوت وما مصدره !!!! حتى ارتفعت الأصوات والبكاء وفجأة فتحت عيني .. والصدمة أن الصوت كان صوت جهاز التنفس .. جدتي تحتضر وتستجدي المساعدة … قمت مسرعة لأتصل بوالدي وأخبره أن جدتي تعبانة جدا … كانت الساعة الثالثة والنصف فجرا…ذهبنا المستشفى وقلبي ينبض نبضات قوية ، وجسمي لا يحملني … كانت ممرات المستشفى فارغة هادئة على غير العادة ، وأدخلوها على سرير أبيض وفحصها الطبيب وأنا أبكي بشدة … وفجأة التفت ساقيها بالقرب من بعضها البعض… فتذكرت قوله تعالى ” ‏والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق”.. عرفت أنها النهاية ……..
وتمالكت نفسي وعرفت أنها الليلة الأخيرة لها … كم تمنيت أن أخفف عنها آلامها …. اقتربت منها وودعتها ودعيت لها ومدحت جمالها وجمال بريق عينيها وأنها ستكون دائما في خيالي وأنني لن أنساها .. ردت علي بابتسامة خفيفة وقالت ” جدك يبيني معاه في الجنة الليلة “وبعد ثواني صاح جهاز القلب معلنا انتهاء حياتها … كانت يدها باردة جدا وعيناها تنظر في السقف في ذهول.
رحمك الله جدتي …. وليت عينيك لم تنم تلك الليلة ،لأنها لم تقم بعد تلك الليلة الحزينة … افتقد حرارة يديك ودفئ حضنك … نامت عيوني ليلة موتك جدتي وليتها لم تنم.

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

درر الشعر : صدق المشاعر

د.وسيلة محمود الحلبي لوحة شعرية تميزت بروعة التصوير وقوة التعبير رسمها شعرا وجسدها مشاعرا وطوع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.