هل يتحمّل الأردن غضب الصين بسبب مشروع الجيل الخامس؟
د. وسيلة محمود الحلبي
بعد طول انتظار، خطا الأردن خطوات شجاعة وسريعة باتجاه استكمال الاجراءات الضرورية لنشر شبكات الاتصالات النقالة من “الجيل الخامس” 5G، إذ وقعت هيئة تنظيم الاتصالات الأردنية الاتفاقية الممهّدة لإدخال الجيل الخامس إلى المملكة مع مشغّل الاتصالات “زين” منذ أيام، بعد توقيعها الاتفاقية ذاتها مع المشغّلين الآخرين “أمنية” و”أورانج” منتصف الشهر الماضي. وللمملكة تاريخ مشرّف عربيا وعالميا في تحرير قطاع الاتصالات، وإطلاق مشاريع التحوّل التكنولوجي. وهي كانت أول بلد عربي يُطلق عملية تحرير قطاع الاتصالات ويفتح الباب للمنافسة، تحقيقا لمجموعة أهداف أهمها نوعية الخدمات ورفع تنافسية الاقتصاد الأردني وجذب الراسميل الأجنبية المباشرة ودعم الناتج المحلي.
لكن هذه الروحية التي أرست ركائز وثقافة التعامل مع تطوير قطاع الاتصالات، والتي تضع المنافسة العادلة بين الشركات الأجنبية في رأس سلم الأولويات، يبدو أنها تشهد تغيّرات. فبعد إعلان اتفاقيات مشروع الجيل الخامس مع المشغلين الثلاثة في الأردن، لم يكن هناك أي تصريح عن الشركات الأجنبية المورّدة لتقنية الجيل الخامس التي ستتم دعوتها للتنافس في مناقصة المشروع. وأشارت مصادر مطلعة على ملف شبكات الجيل الخامس في الأردن أنه قد تتم الموافقة على شركات التوريد الأجنبية بالتماشي مع رغبة الولايات المتحدة الأمريكية، ما يعني حدوث إقصاء لشركة “هواوي” الصينية أكبر مزوّد في العالم لحلول البنية التحتية للاتصالات، من عملية التطوير المرتقبة مع المشغّلين. ومن المعروف أن هواوي هي من المزوّدين الأساسيين الذين يقدمون الحلول والخدمات لمشغّلي الاتصالات الثلاثة في الأردن أي “زين” و”أورانج” و”أمنية” منذ زمن بعيد. وبحسب متابعين، تمكنت هواوي من دعم قطاع الاتصالات الأردني وتوفير مسارات سهلة في الطريق إلى انجاز الأهداف الأردنية المتمثّلة في تحقيق التحوّل الرقمي دعما للاقتصاد الوطني والناتج المحلي من جهة، وتعزيز مرونة وقوة وأداء القطاعات الاقتصادية الأردنية المختلفة من خلال شبكات اتصالات قوية وفعّالة وتنافسية من جهة أخرى.
ولهذا السبب جاء توقيع هيئة تنظيم الاتصالات الأردنية الاتفاقيات المتعلقة بالجيل الخامس مع المشغلين الثلاثة، بظل طرح العديد من التساؤلات، تتعلّق باستبعاد أو استثناء هواوي من النقاش الدائر حول نشر الجيل الخامس، وأسباب هذا الاستبعاد. لا بل ذهبت مصادر مطلعة أخرى أبعد من ذلك وقالت إنه إذا استمر تحييد هواوي عن مشروع نشر شبكات الجيل الخامس، فإن ذلك قد يشكل بداية تحوّل في العلاقات الأردنية – الصينية، تماما كما حصل مع البلدان التي أقصت هواوي عن مشاريع الجيل الخامس. وخير مثال على ذلك، بريطانيا التي استبعدت هواوي من سوق الاتصالات بضغط من الولايات المتحدة الأميركية بحسب تصريحات مسؤولين بريطانيين أكدوا أن بريطانيا أُجبرت على إقصاء هواوي، وأن الحجج الأمريكية بخصوص الأمن السيبراني وشبكات هواوي واهية وليست السبب الحقيقي. ويومها انتقدت الحكومة الصينية “بشدة قرار بريطانيا” القاضي باستبعاد شركة هواوي من مشاريع البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشونينغ في مؤتمر صحافي في بكين، إن القرار ينتهك مبادئ التجارة الحرة والسوق ويضر بالثقة المتبادلة والتعاون البريطاني – الصيني. وقالت تشونينغ يومها للصحافيين إن بلادها “ستتخذ سلسلة من الإجراءات للدفاع عن الحقوق والمصالح المشروعة للشركات الصينية”، مضيفة: “هناك ثمن يجب دفعه” نتيجة لقرارات الحكومة البريطانية.
وثمة أسئلة بالغة الأهمية في هذا السياق، لضمان تحقيق الأردن تطوير ناجح لمشروعه الجديد وضمان أفضل النتائج من نشر شبكات الجيل الخامس. بعض هذه الأسئلة طُرح من جانب عدد من الشركات من بينها شركات منافسة لشركة هواوي، ومن الضروري مناقشتها، خصوصا إذا ما تم السير في استبعاد هواوي عن مشاريع الجيل الخامس، وهي التالية:
1. هل من الحكمة وضع المشاريع التقنية كمشروع الجيل الخامس في ميزان التحالفات السياسية الأمريكية الأردنية، وخسارة الاستفادة من التجارب الرائدة عالميا للصين وشركاتها في مجال الجيل الخامس؟ وما هو الثمن الذي قد يتكبّده الأردن على صعيد العلاقات الأردنية – الصينية، وهل هو في وارد السماح بحصول أزمة مع الصين، خصوصا وأن الصين تندفع بكامل مواردها وقدراتها لحماية شركاتها حول العالم من الاستبعاد أو المنافسة غير العادلة؟
2. هل يبعث انتقاء شركات محددة واستبعادها من المنافسة في السوق الأردنية لأسباب غير واضحة، رسالة إيجابية أم سلبية لمجتمع الأعمال الأردني والأجنبي الساعي للاستثمار في الأردن، وهل تؤثر هذه الخطوة على موقع الأردن في مؤشر “ممارسة أنشطة الأعمال”، وكيف يمكن تبرير هذه الخطوة في الأسواق العالمية؟
3. لماذا قام الأردن منفردا كبلد عربي بهذه الخطوة، على الرغم من امتناع معظم البلدان العربية عن السير في هذا المسار؟ وهنا تجدر الإشارة إلى أن بلدان الخليج التي تملك أكبر شركات الاتصالات في المنطقة والعالم، مضت بتعاونها مع هواوي، وباتت شبكاتها من الجيل الخامس بين الأهم عالميا.
4. إلى أي مدى سيؤثر هذا القرار مستقبلا على استقرار وبيئة عمل وشفافية وتنافسية شبكات الاتصالات الأردنية، ونوعية الخدمات المُقدمة للمستخدمين الأردنيين، وأسعار هذه الخدمات؟
5. هل إذا سار الأردن وفق “التوصيات” الأميركية، سيجد نفسه مضطرا لاعتماد بروتوكول شبكات اتصالات لم تثبت جدارة تطبيقه على أرض الواقع وغير مُتفق عليها عالميا، ويُقصد بذلك “شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة” أو ما يُعرف تقنيا باسم Open RAN التي تروج له الولايات المتحدة وتحثّ حلفائها على تبنيه رغم أن ثمة إجماع واسع من جانب خبراء الاتصالات على أن هذه الشبكات التي انفردت الولايات المتحدة بإطلاقها من دون التنسيق مع الاتحادات والمنظمات الدولية المعنية، لا مستقبل لها، وسبق أن لقيت معارضة دولية واسعة. واعتماد بروتوكول هذه الشبكات في الأردن قد يُسبب مشاكل تقنية وتكاليف غير ضرورية للمشغلين الثلاثة في الأردن، ولربما يقر موت مشروع الجيل الخامس قبل ولادته.
6. من هم المزوّدون الذين تمت دعوتهم للمشاركة في هذا المشروع الكبير؟ وهل ستكون هناك حيادية وشفافية مبنية على حقائق التكنولوجيا والبراهين العلمية بعيدا عن السياسة. وفي حال غياب هواوي، هل سيترك ذلك تأثيرات على المنافسة وبالتالي ينعكس على التكاليف والأسعار؟
7. لماذا تأخرت “هيئة تنظيم الاتصالات” في توقيع الاتفاقية المتعلقة بالجيل الخامس مع “زين” بعد توقيع ذات الاتفاقية مع “أمنية” و”أورانج” على الرغم من أن النقاش بدأ فعليا مع الشركات الثلاثة في نفس الوقت، وما هي المشاكل التي أدت إلى هذا التأخير؟ وما هي الحوافز والمحفّزات الاستثنائية التي قدمها الأردن إلى الشركات الثلاثة لبذل جهود استثنائية بهدف تطوير شبكات الجيل الخامس؟
8. أكدت “هيئة تنظيم الاتصالات” على أهمية مبدأ “الحيادية” في موضوع الاتصالات والتكنولوجيا، فكيف يمكن تطبيق هذه الحيادية من دون وجود أكبر لاعب في قطاع الاتصالات العالمي وشبكات الجيل الخامس على طاولة النقاش المتعلقة بالجيل الخامس؟ وهل يمكن أن يؤدي تغييب هواوي إلى تحديات حقيقية أمام نجاح المشروع برمّته؟
الجدير ذكره هنا، أن هواوي تقدم حلول الاتصالات النقالة (Wireless) لشركة “زين” في الأردن وتصل حصتها كمزوّد حلول على هذا الصعيد إلى 95 في المئة، كما تقدم ذات الخدمات لشركة “أورانج” وتصل حصتها إلى 100 في المئة. أيضا تقدم هواوي الخدمات عينها لشركة “أمنية” مع حصة تبلغ 60 في المئة، فيما تبلغ حصتها في مجال خدمات نواة الشبكة (Core) أو ما يُعرف باسم “العمود الفقري” للشبكة مع شركة “أمنية”، إلى 100 في المئة، ما يعني أن خسارة هواوي تعني خسارة تجربة غنية ورصيد كبير موجود أصلا في قطاع الاتصالات الأردني يمكن ببساطة البناء عليه في مشروع الجيل الخامس، وليس بالضرورة البدء من نقطة الصفر
المصدر / مجلة الاقتصاد والاعمال