بقلم/ الدكتور فيصل بن عبدالله السويدي
أكاديمي متخصص في القيادة والجودة والتميز المؤسسي
تعتبر القيادة الأكاديمية الناجحة عاملاً مؤثراً في رقي الجامعات ومساهمتها في تحقيق رسالتها السامية التنموية على المستوى البحثي و التعليمي و المجتمعي ، وعلى العكس من ذلك الجامعات التي تعاني أزمة في القيادات الأكاديمية غير المؤهلة تجد أنها تعيش في ظل التاريخ دون أدنى مساهمة تنموية، فالقادة هم صناع بصمة التميز للجامعات، لذا أصبح تأهيلهم ضرورة ملحة لمن هو مرشح لوكالة الجامعة أو العمادات أو رئاسة الأقسام العلمية. وقد اطلعتُ على جملة من الدراسات العلمية التي خلصت إلى أن ضعف أداء القيادات الأكاديمية ينتج عنه قصور في الرؤية حول تطوير البرامج الدراسية، وغياب الابتكار و الإبداع في المسيرة البحثية أو العملية التعليمية ،وتغلغل المركزية في اتخاذ القرار، والضعف في تفعيل التقنيات العصرية، و فقدان المرونة واستحكام البيروقراطية، وتوتر العلاقات بين أعضاء هيئة التدريس والقيادات. هذه التحديات وغيرها ستقف سداً منيعاً أمام تحقيق تطلعات رؤية السعودية 2030 التي تهدف لتكون 5 جامعات سعودية بين أفضل 200 جامعة على مستوى العالم، وأزمة القيادات الأكاديمية تتفاقم مع مرور الأيام وتتابعها ولا سيما أن العصر الذي نعيش أحداثه مكتظ بالمتغيرات والتطورات السريعة التي اتسم بها القرن الحادي و العشرين ، فهي مرحلة تتطلب قيادات أكاديمية محترفة متسلحة بأحدث المعارف وأرقى المهارات التي تمنحها القدرة على التعاطي مع تلك المتغيرات ،ومتى ما أراد رؤساء الجامعات قادة من هذا الطراز فلابد من الابتعاد عن القرارات الارتجالية و الانطلاق من استراتيجية واضحة الملامح ترتكز على بعدين مهمين هما:
أولاً: معايير القائد الأكاديمي:
لابد أن يكون هناك معايير تهدف إلى تحديد سمات القائد الأكاديمي المناسب في ضوء متطلبات القرن الحادي والعشرين، وأن تحتوي تلك المعايير على المهارات الناعمة حيث كشفت دراسة أعدها معهد ستانفورد الأمريكي أن نجاح القائد في عمله يعتمد بنسبة 75% على إتقانه للمهارات الناعمة التي تركز بالدرجة الأولى على مهارات تتعلق بالتواصل الفعال ،والعمل الجماعي وقبول آراء الأفراد ومقترحاتهم والذكاء العاطفي والمبادرات وإدارة الازمات وقيادة التغيير، وإتقان فن التفاوض والاقناع، فهذه المعايير هي محور التفاضل للمرشحين للقيادة الأكاديمية، وبوصلة توجه أعمالهم وأنشطتهم ،و مرجعية لتقييم منجزاتهم، ووسيلة لتحسين أدائهم وتطوره ؛لأنها ستكشف أهلية المرشح للمنصب من عدمه، وتجاهلها مأساة ستُنتِجُ لدينا قادة غير مؤهلة لممارسة الأعمال الإدارية ،وهذا ما أكد عليه الدكتور محمد الخازم في مقال بعنوان أزمة القيادة الأكاديمية قائلاً:( يتم الزج بأعضاء هيئة تدريس لا يملكون الخبرة والتأهيل الكافيين في مواقع قيادية في القطاع الأكاديمي دون معايير واضحة، أحياناً يتم ذلك وفق اعتبارات اجتماعية وشخصية في الاختيار).
ثانياً: التمكين:
إن استراتيجية التمكين تحتم على رؤساء الجامعات منح القيادات الأكاديمية هامشاً من الحرية في ممارسة أعمالهم الإدارية مع تحمل كامل المسؤولية لنتائج قراراتهم ،فهي تساعد القائد على الخروج من النمط القيادي القديم إلى نمط عصري يرتكز على المشاركة والتأثير والتفويض ،الأمر الذي سيُشعر القائد الأكاديمي بالثقة بالنفس والولاء الوظيفي والشعور التام بالرضا عن أداء مهامه ومسؤولياته ،وانتقاء النمط القيادي الذي يتلاءم مع شتى المواقف، حينها سترتقي الإنتاجية ،وسيتجلى الإبداع القيادي في أسمى معانيه. وأشارت الدكتورة وجدان المسعودي في درستها أثر التمكين الإداري على قادة المستقبل إلى ذلك قائلة: (جاءت رؤية السعودية 2030 محققة متطلبات التنمية في البلاد من خلال تمكين القادة في العمل الإداري والعمل اللامركزي فالقادة المتمكنين هم أساس ازدهار أية منظمة وخاصة التعليم) .
ختاماً:
يسعى نظام الجامعات الجديد إلى إحداث نقلة نوعية في الجامعات السعودية لتحقيق رؤية السعودية 2030و ذلك بتعزيز الاستقلالية المالية و الإدارية أ ورفع كفاءة الإنفاق، وتطوير الكوادر البشرية والاختيار المناسب لقيادات الكليات والأقسام العلمية. فهل سيكون لنظام الجامعات الجديد دور فعَال في تطوير القيادات الأكاديمية وتأهيلهم وإعدادهم لتحقيق تلك التطلعات؟ إني أتساءل